يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة أنهم يعيشون نكبة أقسى من التي عاشها أجدادهم قبل 76 عامًا، مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على القطاع للشهر الثامن.
ويعيش معظم سكان القطاع في خيام أو منازل أو مدارس تعرضت للتدمير، وزادت أوجاعهم مع بدء جيش الاحتلال الأسبوع الماضي، هجوما بريا على مدينة رفح، التي كانت تؤوي أكثر من مليون نازح.
نكبه أقسى
يقول المسن عبد الرؤوف العرجا (74 عاما) عن نكبة 1948: "اليوم نحن نعيش نكبه أقسى من النكبة التي عاشها أباؤنا وأجدادنا لكن صامدين ومتقنين بأننا نسير على طريق التحرير وإعادة الأرض".
والعرجا نزح والديه وجدة من بئر السبع عندما اقتحمت عصابات الهاجناة الإسرائيلية القرى والمدن الفلسطينية وارتكبت المجازر بحق الفلسطينيين آنذاك.
واليوم نزح الرجل مع أبنائه السبعة والعشرات من أحفاده من شرق رفح إلى منطقة المواصي هربا من القذائف الإسرائيلية التي تنهمر على شرق ووسط المدينة لليوم التاسع على التوالي.
ويوضح العرجا لوكالة سند للأنباء أن ما عاشه والداه وأجداده عام 1948 لا يقارن مع ما يعيش هو وأبنائه وأحفاده اليوم في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية الحالية.
ويضيف " أخبرني والدي عما جرى معهم إبان النكبة، بس زمان ما كان في طيارات وأسلحة تقصف وتقتل وتمزق أجساد الناس زي اليوم. صحيح اليهود ارتكبوا عشرات المجازر والجرائم المروعة بحق شعبنا لكن ما تفعله اليوم شيء مروع ولا يحتمله عقل".
والنكبة، هو المصطلح الذي يستخدمه الفلسطينيون لوصف التهجير والنزوح القسري التاريخي الذي تعرضوا له خلال الفترة بين عامي 1947-1949، والذي نتج عنه إقامة دولة الاحتلال.
وفي حينه هجرت "الميليشيات الصهيونية" والجيش الإسرائيلي نحو 800 ألف فلسطيني، أي ما يعادل حوالي 80% من السكان، بالقوة من منازلهم وأراضيهم، ودمرت 531 قرية فلسطينية، وقتلت أكثر من 15,000 فلسطيني.
ويشير العرجا إلى أن التهجير الجديد الذي يعيش مع أبنائه وأحفاده الآن يعد أقسى من نكبة 1948، بعد فقدانهم منازلهم وأملاكهم ومصدر رزقهم.
ويحي الفلسطينيون ذكرى النكبة يوم الخامس عشر من أيار مايو من كل عام، لكن هذه الذكرى تأتي اليوم وسط حرب الإبادة الإسرائيلية التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأقسى في لقرن الواحد والعشرين.
وقال الشابة رولا جاد الله إن "سكان غزة يعيشون الآن نكبة جديدة في ظل المجازر والقصف الإسرائيلي والترحيل القسري وحرب التجويع الحالية".
نزوح متكرر
وأضافت لوكالة سند للأنباء "في بداية الحرب نزحت مع طفلتي إلى وسط القطاع وبعد أسبوع انتقلت إلى خان يونس. ولما الاحتلال اجتاح المدينة انتقلت إلى رفح في حي الجنية واليوم زي ما أنت شايف (ترى) نزحت مرة أخرى".
وتأمل جاد الله مثل جميع سكان غزة أن تنتهي الحرب وأن تعود إلى منزلها في غزة وتلقي بزوجها المقيم في غزة.
وطردت عصابات الهاجناة الإسرائيلية أكثر من 75 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم في الداخل المحتل وارتكبت 90 مجزرة مروعة بحق الفلسطينيين أسفرت عن استشهاد 15 ألف فلسطيني آنذاك وفق توثيق الباحث الفلسطيني سليمان أبو ستة.
لكن خلال حرب الإبادة الحالية ارتكبت "إسرائيل" أكثر من 3 ألاف مجزرة بحق العائلات الفلسطينية أسفرت عن استشهاد 35 ألف فلسطيني وفقدان 10 آلاف آخرين وإصابة أكثر من 75 ألف فلسطيني بجراح بحسب توثيق وزارة الصحة الفلسطينية والأمم المتحدة.
تواطؤ عالمي
ووصفت السيدة رضا عليان (54 عاما) ما يجرى في قطاع غزة بأنه نكبة جديدة لا يحتمله البشر ولا الحجر في ظل تواطؤ عالمي ضد الشعب الفلسطيني الذي لم يتوقف عن النضال والمقاومة على مدار 76 عامًا.
وسردت السيدة عليان ما جرى مع والديها اللذان هجروا إلى مصر إبان النكبة وعاشوا لحظات مروعة بفعل مجازر الاحتلال، لافتة إلى أنها من مواليد مصر لكنها عادت إلى قطاع غزة عقب اتفاق أوسلو المشؤوم.
ومثل معظم سكان غزة عاشت السيدة الفلسطينية محنة النزوح الداخلي، وتعرضت للحصار في مدرسة إيواء شرق خان يونس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وعن ذلك تقول لوكالة سند للأنباء "من يوم ما بدأت الحرب نزحنا عن منزلنا في عبسان الكبيرة واستقر بنا الحال في مدرسة إيواء ولما اليهود دخلوا المدينة حاصرونا وأطلقوا النار علينا -الحمد لله- نجيانا وانتقلوا إلى رفح".
وتضيف "اليوم بعد ما اليهود اجتاحوا شرق رفح نزحنا مرة أخرى إلى ساحل البحر مع أبنائي الأربعة وابنتي الوحيدة".
وختمت قائله "نفسي أغمض عيني وافتحها وأجد الحرب انتهت وأعود بخيمتي إلى منزلي المدمر وأنصبها هناك ونعيش في أمن وسلام مثل بقية شعوب العالم".